مقالة

السيّدة زينب(ع) بين الجمال والجهاد

السيّدة زينب(ع) بين الجمال والجهاد

02 Nov |2025

تعتني التربية في الوقت الحاضر بتنمية ذوق الإنسان وتنشئته على حب الجمال وتقديره في كل مظاهره، فالشّعور بالجمال أكبر نعمة، وتربية الذوق خير ما يقدّم إلى الناشئ حتى من ناحية تقويم أخلاقه فإن الذوق الجمالي إذا شاع في مكان شاعت فيه السكينة والطمأنينة ونعومة المعاملة وجمال السلوك، وإن انعدم في مكان خشنت المعاملة وساء السلوك وكثر هياج الأعصاب واضطرابها والقتل والذّبح، ولذلك استعان الإسلام - كمنهج تربوي- في تهذيبه للنفس البشريّة بالميل للجمال وفطرة حب الجمال، والبعد الجمالي الذي هو أكثر أنماط التربية تأثيراً على النفس واطراباً لها، تهش له بفطرتها وتلتقي روحها بروحه في ألفة ومحبة، لذا فإن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يحثان على التمتع بجماليات الوجود وعلى الإنشاء لجميل ما لم يتعارض مع مبدأ رئيسي وهو التوحيد. وعندما يصبح ذات الإنسان جميل لا يستطيع قبول القبيح، ويتنفر من كل ما هو قبيح ويقاومه ويجاهد من أجل الجمال، وهنا ننطلق من الجمال إلى الجهاد وهذا ما جسدته السيدة زينب (ع) في حياتها حيث ترعرعت ما بين الجمال والجهاد والمقاومة في حياتها، فكانت حياتها آية عظيمة كأمها وأبيها وأخوتها نستقي من تلك الحياة الأصول التربوية في جميع الأبعاد الوجودية للإنسان وفي جميع الساحات التربوية ولا سيما البعد الجمالي والجهادي وما أحوجنا اليوم إلى الإنطلاق من التربية الجمالية والحفاظ عليها من محاولة أعداء الإسام لقتلها في نفوسنا وزرع القبيح وأن يقتل فينا الحس الجمالي لكي لا نتنفر منه ومن كل قبيح، ولنبتعد عن الحق ونعتاد القتل والإجرام وننسى مقاومة ومجاهدة كل قبيح، وذلك لأن نور وجمال الحق يكشف قبح الباطل ويزهقه فجمال الحق يزهق الباطل.

المقدمة

        هنـاك عـدّة ميـول عنـد الإنسـان، بعض منها ميـول مادية والبعـض الآخر ميول معنويـّة فطريـّة كميـل الإنسـان إلـى الجمـال. و إدراك الجمـال يبعـث علـى إلتـذاذ الإنسـان بمـا يفـوق أحياناً اللّـذات الماديـّة ولكـون الجمـال ميـل فطـري وطبيعـي فـي نفـس الإنسـان اسـتعان الإسلام بـه كمنهـج تربـوي فـي تهذيبـه للنفس البشـريّة، وتعليمهــا بفطــرة حــب الجمــال، والبعــد الجمالــي الــذي هــو أكثــر أنمــاط التربيــة تأثيــراً علــى النّفــس وأســرعها تقبّلاً، ومــا زال الإنســان يتربــى علــى الجمــال حتــى تصبح ذاتـه ووجـوده جميـل بحيـث لا يسـتطيع قبـول القبيـح ويتنفّـر منـه وهـذا مـا جسّـدته السـيّدة زينـب(ع) فـي حياتهـا حيـث ترعرعـت مـا بيـن الجمـال والجهـاد. إنّ عبـارة السـيّدة العالمـة الغيـر معلمـة زينـب الكبـری «مـا رأيـت إلا جميـلاً» عبـارة معجـزة فـي التربيـة الجماليّـة، والبعـد الجمالـي فـي شـخصيتها(ع) وذلك بالدلائـل التاليـة:
1.  صاحبة العبارة السيّدة زينب(ع) حوت جميع فنون الجمال، من جمال الفعل وجمال الصبر وجمال البصيرة وجمال الولاية وجمال الفصاحة والبلاغة وجمال العبادة والعبودية وجمال الفقه وجمال الظّاهر والشكل، وهذا ثابت بألقابها وسيرتها.

2. انتخاب السيّدة زينب(ع)  لكلمة الجمال دون غيرها من الكلمات.
3. تبين أهم مراتب الجمال التربوي وهو الجمال الوجودي.

        ثم تطرّقت في هذا البحث إلى البعد الثاني في حياة السيّدة زينب(ع) وهو البعد الجهادي التربوي وبيّنت أنّ البعد الجهادي التربوي في حياة السيّدة زينب(ع) والذي منشأه حب الخلود والبقاء وحب الجمال في النّفس الإنسانيّة يقوم على أسس أربعة:
1. الدّافع الإلهي.
2. الجهود الكبيرة والعظيمة والعمل الجهادي الكثير والمستمر.
3. التوقّع القليل وعدم طلب النّتيجة (أداء التكليف).
4. القاعدة الشعبية.

 

المفاهيم الكلية
1. الجهاد

        وهــو لغــة: الجِهــاد بكســر الجيــم مصــدر جاهــدت العــدو مجاهــدة وجهــاداً مشــتق مــن الجَهــد «بالفتــح» أو الجُهــد «بالضــم». قال الراغب: الــجُهد والــجَهد: الطاقة والمشقّة، وقيل: الـجَهد بالفتح: المشقّة والـجهد: الوسع [1].
اصطلاحـاً: فهـو محاربـة الأعـداء، وهـو المبالغـة واسـتفراغ مـافـي الوسـع والطّاقـة مـن قـول أو فعـل [2]

2. الجهاد التربوي

        هــو الفعاليــات التــي تعمــل علــى تنميــة وتفتـيـح الإســتعدادات والســاحات والأبعـاد والإمكانـات المختلفـة للإنسـان وتوجيههـا وهدايتهـا وبـذل مـافـي الوسـع والطاقـة لمحاربـة الأعـداء والوصـول إلـى الهـدف الغائـي للخلـود وحفـظ الإسلام [3].

 

3. الجمال:
        مصــدر الجميــل [4]، وقولــه عــز وجــل: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)[5] وفـي معجـم الفقـه والمصبـاح المنيـر: الجمـال ضـد القبـح، والجميـل ضـد القبيـح وأجملـت الشـيء إذا حصلتـه ويقـال: جمالـك أي أجمـل ولا تفعـل مـا يشـفيكقـال سـيبويه: الجمـال رقّـة الحسـن والأصـل جمالـه بالهـاء لكنهـم حذفـوا الهاء تخفيفاً لكثرة الإسـتعمالوتجمّل تجمّلاً: تزيّن وتحسّن إذا اجتلب البهاء والإضاءة.

        أمـا فـي مختـار الصحـاح والمنجـد: الجمـال الحُسـن، وجَمُل جمـالاً: حسُن خلقاً وخُلُقـاً فهــو جميــل وهــي جميلــة وجمّل: صبــره جميلاً، وجامــل: أحســن معاملتــه وعشــرته أو عاملــه بالجميــل وأجمــل الشــيء: حســنه وكثــره وفــي الكلام تلطــف، وفــي الطلــب: اعتــدل. والجميــل: الإحســان والمعــروف [6]الجمـال: الأجمـل مـن الجميـل، المجاملـة: المعاملـة بالجميـل. والجمال في الفلسـفة: صفـة تلحـظ فـي الأشـياء وتبعـث فـي النفـس سـروراً ورضـا وعلـم الجمال: بـاب مـن أبـواب الفلسـفة يبحـث فـي شـروط الجمـال ومقاييسـه.
الجمــال اصطلاحاً: هــو مصــدر الجميــل وهــو محــل مــا يبعــث فــي النفــس البشــرية الســرور والإرتيــاح والإطمئنــان والرضــا [7].
التربيـة الجماليـة: تعبيـر يقصـد بـه الجانـب التربـوي الـذي يرقـّق وجـدان الفـرد وشـعوره ويجعلـه مرهـف الحـس ومـدركاً للزومـه والجمـال فيبعـث ذلـك فـي نفسـه السـرور والإرتيـاح فيرتقـي وجدانـه فتهـذّب إنفعالاتـه [8]فالتربيـة الجماليـة هـي التـي تجعـل الإنسـان ينعـم بالحيـاه فـي الدنيـا والآخـرة وتوصلــه إلــى الإرتبــاط بالجمــال المطلق. وعرفــه آخــرون: بأنــه رعايــة النشــئ منــذ حداثـة سـنهم لتـذوق الجمـال والعيـش فـي كنفـه وإيجـاد ظروفـه واسـتخدامه كأداة عـدوی لسـائر الأفـراد ليشـبوا فيـه.

 

4. الأسس التربوية

        الأسـس: جمـع مفردهـا أسـاس وتعنـي الأصـل. والأسـس التربويـة: هـي العلـم المعنــي والمهتــم بدراســة الأصــول التــي تتــم عــن طريــق الإســتناد والرجــوع إليهــا لبنـاء فهـم وتربيـة قويـة وسـليمة [9].  وبتعريـف آخـر تعني: كافّـة الأصول التي يتأسّـس عليهـا أي نظـام تربـوي.

 

السيدة زينب (ع)

        هــي حفيــدة الرســول (ص) وابنــة أميــر المؤمنيــن علــي بــن أبــي طالــب والســيدة الزهــراء(ع) وأخــت ســيدا أهــل الجنــة الحســن والحســين(ع)، ولــدت فــي الســنة الخامســة للهجــرة، ونشــأت وترعرعــت فــي بيــت الوحــي ومركــز العلــم والفضــل فنهلــت مــن نميــر علــوم جدهــا وأبيهــا وأخويهــا فكانــت مــن أجــل العالمــات ولقــد ظفــرت الســيدة زينــب(ع) أرواحنــا لهــا الفــداء بــأروع وأســمى ألــوان التربيــة الإسلامية فقـد شـاهدت أخاهـا الإمـام الحسـين(ع) يعظـّم أخاهـا الإمـام الحسـن (ع) ويجلـه، وشـاهدت أخوتهـا مـن أبيهـا يعظّمون أخويها الحسـن والحسـين(ع)، وكانـت السـيّدة زينـب (ع) موضـع احتـرام أخوتهـا فكانـت إذا زارت أخاهـا الإمـام الحســين(ع) قــام لهــا إجـلالاً و إكبــاراً وأجلســها فــي مكانــه، و إذا أرادت الخــروج لزيــارة قبــر جدّهــا رســول الله (ص) خــرج معهــا أبوهــا وأخواهــا الحســنان، ويبــادر أميــر المؤمنيـن إلـى إخمـاد ضـوء القناديـل التـي علـى المرقـد لكـي لا يـری أحـد شـخص زينــب (ع). لقــد أحيطــت زينــب (ع) بهالــة مــن التعظيــم والتبجيــل مــن أبيهــا وأخوتهـا فهـي حفيـدة الرسـول (ص) ووريثـة قيمـه وآدابـه كمـا كانـت لهـا المكانـة الرفيعـة عنــد العلمــاء والــرواة، حفظــت القــرآن وخطــب والدتهــا الزهــراء (ع) فلقــد حــرص الرسـول والأميـر والسـيدة الزهـراء وأخوتهـا علـى تربيـة زينـب (ع) تلـك التربيـة التـي وضــع منهاجهـا الله عــزّ وجــل وبيـّـن مراحلهــا.
        تزوّجـت (ع) بابـن عمهـا ابـن جعفـر الطيـار وكان لـه منها أربـع بنون وابنـة واحدة استشــهد منهمــا اثنــان فــي واقعــة الطــف فــي كربلاء مــع خالهــم وإمامهــم الإمــام الحسـين (ع). عاشـت السـيّدة زينـب (ع) جميـع المصائـب مـن فقد جدهـا وأمها وأبيهـا وأخوتهـا وأبنائهـا وسـلب والدهـا حقّـه فـي الخلافـة ومـا جـری علـى والدتهـا ثـمّ شـاركت أخيهـا الحسـين فـي مـا جـری فـي واقعـة الطـف وعاشـوراء، وشـاركت فـي حفـظ الإسـلام الأصيـل وتوفيـت فـي الشـام فـي 15 رجب سـنة 62 هــ وقيـل 65 للهجــرة ودفنــت فــي الشــام بجــوار زوجهــا عبــدالله بــن جعفــر ولهــا مقــام رفيــع فــي الشــام الآن.

 

الأسس التربوية الجمالية

        إن فــي الإنســان ميــول ومتطلبــات يعجــز الإنســان تلبيتهــا وإشــباعها لأجــل مواصلـة حياتـه كالحاجـة إلـى الأكل والشـرب أومـا يتوقف عليه بقاء النوع الإنسـاني فـي الأرض كالغريـزة والحاجـة الجنسـية، أو أن سـلامة الإنسـان وبقـاءه يتوقّفان على توفيرها كالحاجة إلى الملبس والمسـكن أو تزيده قدرة على تنمية أعماله والإسـراع بهـا كالحاجـة إلـى المركـب. وعلـى أيّ حـال فـإن المتطلبـات المذكـورة متطلبـات ماديـّـة وبــدون الإهتمــام بهــا تتعــرض حيــاة الإنســان الماديــة للخطــر أو تصــاب بالخلل بنحو مـا، ومـا أريـد قولـه هنـا هـو أن فـي الإنسـان مقابـل المتطلبـات والميول الماديـة مجموعـة أخـری مـن الميـول واللّـذات التـي لا تعـرّض حياتـه للخطـر بعدم تلبيتهـا وإشـباعها، و إنّمـا يشـعر الإنسـان باللّـذة من توفيرهـا و إشـباعها ويطلق على هـذا النـوع اسـم (الزّينـة) والتجمـل، فإلـى جانـب مـافـي الإنسـان مـن ميـول هنـاك ميـل إلـى الجمـال أيضـاً وهـو مسـتقل عـن متطلبـات الإنسـان الأخـری و إن كان متقاربـاً معهـا فـي الغالـب، فمثـلاً مـا يتناولـه الإنسـان مـن طعـام وليـد حاجـة جسـمه الماديـة إلـى الغـذاء إذا كان فـي الوقـت ذاتـه طيّبـاً فـي لونـه ورائحتـه وقـدم لـه فـي إناء أنظـف وأجمـل وأفضـل فإنّـه يشـعر بلـذّة أكبـر طبقـاً مـع وجـود حيثيـة الإلتـذاذ باللّون والرائحـة والجهـات الأخـری، فالمكفـوف الـذي يتنـاول الطّعـام ذاتـه ترفـع حاجتـه إليــه ولكنـّـه محــروم مــن هــذا النــوع مــن اللّــذة لأن عينــه لا تبصــر اللــون الجميــل للطعام و إن لـم يـدرك اللّـذة المعنويـة فقـد أدرك اللّـذة الماديّـة، والذيـن يفقـدون حاسّـة الشّم ينتفعـون بفائـدة الطعـام الماديـة ذاتهـا، ويلتذّون بحاسـة البصـر باللون الجميـل للطعـام، و إن لـم يدركـوا رائحـة الطعـام الطيّبـة ويحرمـون مـن هـذه اللّـذة، إنّ الاسـتمتاع بالرائحـة الطيّبـة أو رؤيـة اللّـون البهيـج أو الشّـكل الجميـل والمناظـر النضـرة أو إدراك الجمـال المعنـوي والروائـع الأدبيـة فـي الشـعر والنّثـر وغيرهـا ليسـت من المتطلبـات الطبيعيـّة للإنسـان بمعنـى إن عدمهـا لا يهـدد الحيـاة الإنسـانية ولكنها ـ علـى أی حـال ـ تبعـث علـى التـذاذ الإنسـان بمـا يفـوق أحيانـا اللّذات الماديـة والتـي يحتاجهـا فـي حياتـه. إنّ متعلّـق هـذه اللّذات يدخـل تحـت عنـوان الزّينـة والتجمّل، ولفــظ الزينــة والجمــال يشــملها بأجملهــا مــع أنّ الزّينــة تتفــاوت عــن الجمـال تفاوتـاً ظريفـاً، فالزّينـة تطلـق فقـط علـى الجمـال العـارض الـذي يحصـل بضــم شــيء آخــر مــن الخــارج، بينمــا الجمــال يطلــق علــى الجمــال الأصيــل فــي الشـيء والموجـود فـي ذاتـه وبنحـو طبيعـي فمثـلاً يطلـق علـى الإنسـان الجميـل فـي ذاتـه أنـّه (جميـل) وعندمـا يتزيـن بعمليـة تجميـل أو لبـس الحلـي والأسـورة والقلادة الذهبيـة المرصّعـة باللّؤلـؤ ولبـس الأقـراط يقـال أنـه تزين [10]وعليـه [11]:

  1.  إن الزينة أمر عارض، بينما الجمال صفة ذاتية للشيء نفسه إلّا أنّ الملاك فيهما واحد، بمعنى أن الزينة والجمال العرضي يرجع إلى الجمال الذاتي للحلي ذاتها، فالحلي في الخارج يجب أن تكون جميلة لكي تضفي جمالاً على الأعضاء والجوارح التي تلبسها، إذاً إنّه الجمال الذاتي للأشياء وله تجليان:
    أ ـ  تجل في الشيء الجميل.

       ب ـ تجل في الشيء الآخر الذي يتزيّن به.
ويطلق على التجلي الثاني الزينة في مقابل التجلي الأول وهو الجمال.

  1. حب الجمال ميل فطري في الإنسان يعود جذوره إلى حب النفس الذي يتفرع إلى حب الخلود وحب الكمال وحب اللّذة والسعادة فالإنسان يأتي إلى هذه الدنيا وهو ينشد الخلود والكمال واللّذة والسعادة بجميع تحركاته وأفعاله للوصول إليها. واللّذة والسعادة أحد مصاديقها الجمال وأيضاً الكمال.
  2. إحدی أبعاد الإنسان المختلفة البعد الجمالي وطلب الجمال والميل إليه.
  3. التربية الجماليّة ضرورة لوصول الإنسان للجمال والكمال من خلال هدايته للإرتباط بالجمال والكمال المطلق والإتّصاف بصفات الحق والخير الحسن.
  4. تأثير الظاهر على الباطن فالزينة الظاهرية والتجمل الظاهري له أثره على الجوارح والباطن.
  5.  تأثير الباطن على الظاهر: فالجمال الذاتي والباطني يؤثر على الظاهر ويضفي عليه من جماله بل يزيّنه وهو بالتجلي الأول أي الزينة.

        بعـد عـرض جميـع تلـك المقدمـات، والتـي هـي مبانـي فـي التربيـة أي أسـس  ثابتـة ومبرهـن عليهـا فـي العلـوم المختلفـة أقـف متحيّـرة أمـام جملة أعدهـا معجزة فـي التربيـة الجماليـة للسـيدة زينـب(ع) ابنـة أميـر المؤمنيـن عليـه السلام أميـر الجمـال والكمـال وابنـة السـيدة الزهـراء (ع) التـي كان يزهـر نورهـا لأهـل السـموات والأرض وأخــت الحســن والحســين عليهــا السلام اللذيــن اشــتقّ اســماهما مــن الحُسـن والجمـال، وتلـك العبـارة «مـا رأيـت إلا جميلا»  التي لخّصت فيها السيّدة زينب (ع) التربية الجمالية بأربع كلمات لأن:

  1. صاحبه هذه العبارة هي من حوت:
    أ ـ جمال العلم (أنها عالمة غير معلّمة)
    ب ـ وجمال العقل (فهي عقيلة بني هاشم) (عقيلة الطالبين)
    ج ـ وجمال الصبر (الصابرة) (قرينة النوائب)
    د ـ وجمال البصيرة (سر أبيها)
    ه ـ وجمال الولاية (سالة الولاية) (رضيعة ثدي الولاية)
    و ـ وجمال الفصاحة والبلاغة (وليدة الفصاحة) (البليغة) (الفصيحة)
    ز ـ جمال العبادة والعبودية (عابدة آل علي)
    ح ـ جمال عفتها وحجابها (عقيلة خدر الرسالة)
    ط ـ جمال الظاهر والشكل (السيدة الجميلة)
  2. انتخــاب الســيدة زينــب(ع) لكلمــة الجمــال وعــدم اســتبدالها بمفــردة أخـری مثـل «مـا رأيـت إلا خيـراً» أو «مـا رأيـت إلا مـا أراد الله» أو «مـا رأيـت إلا فـوزا» وغيرهـا مـن المفـردات إلّا للدلالـة علـى أهميّـة الشـعور بالجمـال وضرورتـه مؤكـّدة علـى عـدة مسـائل هـي:

 أـ شمولية كلمة الجمال.
ب ـ أهمية التربية الجمالية للناشئة وضرورتها.
ج ـ الإستعانة بتهذيب النفوس بالتوجه إلى الميل الفطري للجمال و إلى كل ما هو حسن فحب الجمال والإحسان وكل ما هو خير وحسن كامن في النفس بشكل قوة واستعداد يحتاج إلى تفعيله وتنميته بالتربية ليصبح فعلاً وواقعاً و يصبح الجمال وحب كل ما هو جميل من ذاتيّات الإنسان فيصبح الإنسان جميلاً، وعندما تكون ذات الإنسان جميلة تتنفر تلقائياً من كل ما هو قبيح وتصبح قريبة من الإرتباط بالجمال المطلق وتحقيق الهدف من خلقته.
د ـ إنّ للجمال جاذبيته فالروح تهفو إلى ما هو جميل، لأن الروح من الجمال المطلق فهي تنجذب إلى الجمال.
ه ـ إن التربية الجمالية حاجة وميل فطري وفيها جاذبية لذلك تكون أسهل من التربية في الأبعاد المختلفة للإنسان مثل التربية الفعلية

  3. والقـول الفصـل فـي أعجـاز هـذه الجملـة أنّ السـيّدة زينـب (ع) أرواحنـا لهـا الفـداء بيّنـت التربيّـة الجماليـّة المطلـوب الوصـول إليهـا والتـدرّج بتربيـة الناشـئة عليهـا ليعيشـوا لذاتهـا وسـعادتها وهـي:
- التـدرّج مـن الجمـال المـادي والظاهـري إلى الجمـال المعنوي ثـم إلى الجمال الوجودي. وبعبـارة أخـری الجمـال علـى أنـواع هـي: جمال الظاهـر وجمال الباطـن وجمال الظاهـر والباطـن معـاً، وفـي جميـع النواحـي (الجمال الوجـودي) أي وجـوده بكل ما فيـه مـن حـركات وسـكنات مـن فكـر وخيال مـن أقـوال وأفعـال وكلام جميـل، وهذا لا يتحقـق إلّا لمـن كان ارتباطـه بالجمـال المطلـق وهـو الحـق تعالـى ارتباطـاً وجوديّـاً ليـس ارتباطـا فيزيكيّاً فـلا يمكـن تحقـق الإرتبـاط الحقيقـي بالجمـال المطلـق عـن طريـق العقـل والفلسـفة، ولا عـن طريـق العبـادة الميتافيزيكيـة حـركات فقـط بـل أن تعبــد الله كأنـّـك تــراه ومــن رأی الجمــال عشــقه حتــى يصبــح كل وجــوده جمــالاً. الله عـزّ وجـل يقـول فـي كتابـه المجيـد «وإليـه المصيـر» ولـم يقـل وإليـه المسـير أي مــن الصيــرورة لنتصــف بصفاتــه ونتخلــق بأخلاقــه ويتجلّــى فينــا جمالــه، وليــس لنملـك مثـل صفاتـه بـل نعيـش هـذه الصفـة، فهنـاك فـرق بيـن أن تملـك صفـة مـن صفـات الله عـز وجـل وبيـن أن يكـون وجودنـا كلـه وجـود هـذه الصفـة فينـا، فالجمـال الوجــودي يعنــي جمــال فكــرك يعنــي صــدق لســانك وعظمــة أخلاقــك وبلاغــة كلامـك وعدلـك وبصيـرة رأيـك وحكمـة علمـك و...
وهذا ما وجدته العقيلة زينب (ع) في وجودها فكان من وجودها الجمال. فجمـال عباراتهـا وإعجازهـا لا ينطقهـا ولا يصـدر إلّا مـن عـاش الجمـال ووجده مـن خلال ارتباطـه الوجـودي بـالله عـز وجـل. السيّدة زينــب (ع) تربّــت التربيــة الجماليــة التــي كان هدفهــا الإرتبــاط الوجـودي بـالله عـز وجـل، تربـّت فـي بيـت الوحـي والعصمـة تربيـة كان همهـا الوحيـد وهدفهــا الإرتبــاط الكامــل بــالله عــز وجــل  فليــس المهــم هــو الدنيــا ولــم تتــربَ كمــا يتربـى أبناؤنـا اليـوم، وهمّنـا مسـتقبلهم الدنيـوي، و إن كان البعـض همهـم الدنيـا والآخـرة فكليهمـا خطـأ لأنّ التربيـة الأساسـية والغائيـة هـو الله عـز وجـل أمّـا الدنيـا فهـي مـورد اهتمـام وليـس هـم، فالإمـام علـي عليـه السلام مـن ربّـى السـيّدة زينـب يقول: «واجعــل أكبــر همــك لآخرتــك» فهـل يسـتوي مـن تربـّى وهدفـه الدنيـا والآخـرة ومـن تربـى وهدفـه الجنّـة ومـن تربــى وهدفــه الخلاص مــن النــار ونيــل محبــة الله ورضــاه ومعرفتــه وســلك طريــق الإرتبــاط بكامــل وجــوده بالحــق لمعرفتــه ومحبتــه؟. الإمـام علـي والسـيّدة الزهـراء(ع) والإماميـن الحسـن والحسـين(ع)، والجـد رسـول الله (ص) كانـوا بـكل وجودهـم مظهـر الله وتجلّـي لـكل صفاتـه الجماليـة فكيـف لا تكـون زينـب (ع) الوجـود الجمالي؟ فالتربيـة الجماليـة للمتربـّي تحتـاج إلـى مربـّي يملـك ويـدرك الجمـال الوجـودي.

  1. الجمــال والتربيــة الجماليــة محبــوب الله عــز وجــل: «الله جميــل يحــب الجمــال».

 

البعد الجهادي التربوي في حياة السيدة زينب (ع)
        يعــود البعــد الجهــادي إلــى حــب البقــاء والخلــود، فالإنســان يحــب أن يبقــى خالـداً وكل مـن يـری خلـوده وبقـاءه بحسـبه، فالبعـض يـری خلـوده وكمالـه بالمـال والثـروة، والبعـض بالسـلطة والبعـض بوجـود الأولاد والذريـة والبعـض بالشـهرة ولكن البعـض الآخـر يـدرك أن لا بقـاء ولا خلـود إلّا لله فيرتبـط بـالله بكامـل وجـوده فيبقـى ببقـاءه والإرتبـاط بالحـقّ يلزمـه رفـض الظلـم ومجاهدتـه ومقاومتـه.

        ويرجـع آخـرون حـب الجهـاد والمقاومـة إلـى الميـل الفطـري للجمـال أي حب الجمــال، فمــن أحــب الجمــال تنفـّـر مــن القبيــح فــإذا أصبــح وجــوده وذاتــه جمــالاً يعنـي رفـض كل قبيـح وجهـاده ومقاومتـه لله تعالـىالسـيّدة زينب(ع) عندمـا كان وجودهـا وجـود جمـال وبصيـرة ووعـي، والبلاء يخـص الواعيـن ويصيبهـم وهـذا قـول أميـر المؤمنيـن (ع): «وأصـاب البلاء من أبصر منهـا وأخطـأ مـن عمـي عليها».
فالبلاء ملازم لأهـل البصيـرة والوعـي الـذي يقودهـم وعيهـم لقـول كلمـة الحـق واتخــاذ موقــف الحــق، أمــا الغافلــون مــن النـّـاس اللّاهــون فهــم منــه محرومــون فــي الدنيـا أهـل بلاء فـي الآخـرة.
لذلك كانت السيدة زينب(ع) في حركة جهادية تربويةوالمحقـق والباحـث فـي حيـاة السـيدة زينـب(ع) وفـي جهادهـا التربـوي يـری أن أسـس الحركـة الجهاديـة التربويـة للسـيدة زينـب(ع)  تتمحـور حـول أربعـة نقاط:
أولاً: الدافع الإلهي والجهاد لله.
ثانياً: العمل الكثير والجهود الكبيرة.
ثالثاً: التوقّع القليل أي عدم طلب النتيجة.
رابعاً: التوجّه إلى القاعدة الشعبية والتوصل إلى حركة جهادية شعبية.
وتوضيح هذه الأسس الجهادية التربوية في مايلي:
أولاً: الدافع الإلهي والجهاد لله
        وقد سبق الحديث عنه في الوجود الجمالي للسيدة زينب(ع) فمن كان وجودها لله كان بنحو لا يحتاج إلى برهان أنّ جهادها لله وارتباطها بما أمرها به الله من الإرتباط بإمام زمانها فمن هنا اشترطت على زوجها عند زواجها أنّه إذا ظهر إمام زمانها عجل الله فرجه الشريف أن لا يمنعها من الخروج معه. فمن منّا من لم يمنعها الخطر ووجود الخطر من أداء التكليف؟ إنّها السيدة زينب(ع) الذي كان الخطر يحدق بها من كل جانب، وليس عليها فقط بل على الأطفال ونساء بني هاشم ولم يمنعها ذلك من أداء التكليف وخروجها مع الإمام الحسين(ع) ومشاركتها في عاشوراء لأنها شخّصت التّكليف «فوجود الخطر لا يمنع من أداء التكليف» و إلّا لتوقف الجهادفهل منا من قدمت لإمامها فرس المنون؟ وقدّمت أبنائها فداءً لإمامها وتركت دارها وعلمت بكل ما يجری عليها من البلاء من أسر وغربة وفقد الأحبة وشماتة الأعداء وقالت «ما رأيت إلا جميلا»؟ أو اللهم تقبل منّا هذا القربان؟
و لم ترَ في كل شيء إلا الله ولم تطلب إلا قربه ورضاه؟ هل نستطيع بعد ذلك أن نقول أنّنا زينبيّات عصرنا أو حتى قدوتنا السيّدة زينب(ع)؟ فالإقتداء يعنى الإتباع يعني الحركة الجهادية التربوية والمقاومة في حياتنا وفي وجودنا بنظرة ورؤية جماليةوما أحوجنا اليوم ونحن نعيش القتل والذبح والأسر والخطف للنساء والأطفال وإشكال الفتن والتفرقة والسلب أن نتوجه لله ونجعل وجودنا له قبل أي عمل آخر وننظر بنظرة جمالية جهادية إذا لم نستطع أن نكون وجوداً جمالياً جهادياً.


ثانياً: الجهود الكبيرة والعمل الجهادي الكثير والمستمر
        السيّدة زينب(ع) لم تدّخر أي وسع أو جهد إلّا وبذلته لله منذ طفولتها وشبابها، فقد بذلت في طفولتها وعلى صغر سنّها جهدها في نيل العلوم وحفظ خطب والدتها السيدة الزهراء (ع)،ثم الجهاد العلمي في تدريس التفسير وعلوم الإسلام الحقه للنساء في المدينة ثم الجهاد الإعلامي في عاشوراء وحفظ الدين والإسلام المحمّدي الأصيل، والدفاع عن الإمام زين العابدين(ع) وفي حفظ الأولاد ورعايتهم والنساء في عاشوراء والتضحية بكل ما لديها لله عز وجل فالدور كبير ومستمر للمرأة في ساحات الحياة المختلفة.


ثالثا: التوقع القليل وعدم طلب النتيجة (أداء التكليف) أي التمسك بالأسباب والإتّكال في النتيجة على مسبب الأسباب، والسيدة زينب (ع) كانت تعمل وتجاهد لزرع الفكرة وتصحيح المفاهيم وتثبيت دعائم الدين الأصيل ونتائج ذلك تحتاج لزمن طويل فكانت تؤدي التكليف وحسب، فإن السعادة تكمن في تشخيص التكليف والقيام به دون طلبه للنتيجة أو توقع الكثير.


رابعا: القاعدة الشعبية
        إنّ الجهاد التربوي يجب أن يكون في الشعب وللشعب، أي نجاهد ونقاوم ونشجع الشعب للجهاد والمقاومة، وأن نوجد الحراك الشعبي ضد الظلم، وهذا ما كانت تفعله السيدة زينب (ع) بعد عاشوراء في جميع المناطق التي كانوا تمر بها، حيث كانت تبين للناس ما حصل في عاشوراء وتبث فيهم روح الرفض للظلم والحث على الجهاد للحفاظ على الإسلام الأصيل فالتحرك الشعبي مهم فلا أحد يستطيع أن يقف أمام الشعوب، فإذا أردنا اليوم أن نهزم أعداء الإسلام على إختلافهم علينا بحركة جمالية جهادية تربوية تقوم على الأسس الزينبية من الدافع الإلهي والجهود الكبيرة والتوقع القليل والشعبية فإذا الشعب يوما أراد الجهاد فلابد أن يستجيب القدر.

 

الخاتمة

        مـا اختـم بـه مقالتـي بعـض التوصيـات التربويـة المسـتقاة مـن حيـاة السـيّدة زينــب(ع) وهــي:
1. معرفة البعد الجمالي والفطري في النّفس الإنسانية وفي نفوسنا.
2. التوجه إلى أهمية التربية الجمالية في تهذيب النفس وتحقيق الهدف من الوجود وهو الإرتباط بالجمال المطلق.
3. البحث عن الطرق للتربية الجمالية من خلال القرآن والحديث، ومنها التوجه إلى جمال القرآن وجمال العلاقة بأهل البيت ومحبتهم ـ وجمال الكون ـ وجمال الصدق وكل ما هو حسن و إلى رفض كل ظلم وكل عمل قبيح والتربية على التنفر منه.
4. الإستمرار في تفعيل البعد التربوي الجمالي إلى أن نصل إلى أعلى مراتب  التربية الجمالية وهي الجمال الوجودي.
5. ارتباط الجمال بالجهاد والجهاد بالجمال.
6. التوجه إلى التربية الجهادية وما أحوجنا اليوم إلى التربية الجمالية والجهادية.
7. التعرف على أسس التربية الجهادية، وهي الجهاد لله والعمل الكثير والجهد المتواصل وعدم طلب النتيجة والعمل على تأسيس القاعدة الشعبية للجهاد.

8. أن تعرف المرأة أهمية دورها في تربية الجمال والجهاد، وهي تشكّل ليس نصف المجتمع بل كل المجتمع.

 

 


[1] الراغب الاصفهاني، المفردات في غريب القرآن، تحقيق صفوان عدنان داودي، ط1، 1412، مادة جهد.

[2] ن.م، مادة جهد.

[3] عزام عبدالله، الجهاد التربوي في القرآن، دار ابن حزم، بيروت، 1410، ص43.

[4] مجمع اللغة العربية، مجموعة من الأساتذة، دار الدعوة، مادة جمل.

[5] سورة النحل الآية 6

[6] مختار الصحاح، مادة جمل

[7] عزام عبدالله، الجهاد التربوي، ص 67

[8] ن.م، ص 69.

[9] خسرو باقري، نگاه دوباره به تربيت اسلامي، مؤسسه فرهنگی مدرسة برهان، 1385، ص54.

[10] مصباح اليزدي، الأخلاق في القرآن، مؤسسة الإمام الخميني، ص40.

[11] ن.م

التعليقات